يُحيي العالم الذكرى الثانية لما يصفه الكاتب بـ"الإبادة الجماعية في غزة"، وهي ذكرى لا يريد أحد من قادة الغرب تذكّرها، بل يسعى إلى طمسها وإقناع الناس بأن المذبحة لم تحدث قط. يصف كوك ما يجري بأنه نتيجة مرض أخلاقي عميق تغلغل في روح الغرب وإسرائيل معًا، جعل الإبادة ممكنة، بل مقبولة في أعين من يملكون القوة.

يقول جوناثان كوك في مقاله المنشور على موقع ميدل إيست آي إن الغرب الذي ظن أنه تجاوز فظائع الحرب العالمية الثانية، لم يُشفَ قط من جذور العنف الذي صنع الهولوكوست. فقد تخيّل أن دعم "دولة يهودية" سيطهّر ضميره، فأنشأ إسرائيل على أنقاض وطن الفلسطينيين، لتكون حصنًا استعماريًا يضمن استمرار السيطرة الغربية على الشرق الأوسط الغني بالنفط.

يرى الكاتب أن جوهر المشروع الصهيوني كان منذ البداية امتدادًا للاستعمار الغربي، وأن إسرائيل أُقيمت لتخدم كوكيل دائم يحمي مصالح الغرب في المنطقة. ويعتبر أن ما يجري في غزة اليوم ليس ردًّا على عملية السابع من أكتوبر 2023 كما تزعم إسرائيل، بل هو تنفيذ لسياسات أيديولوجية موروثة عن الصهيونية التي تبرر محو الفلسطينيين من الوجود.

يُذكّر كوك بأن الغرب يكرر تاريخه، "مرة كمأساة ومرة كمهزلة". فبعد مأساة اتفاق أوسلو الذي دمّر وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية وأنتج فصلًا جغرافيًا بين الضفة وغزة، جاء ما يسميه "مهزلة ترامب"، أي خطته للسلام التي يمنح فيها مجرم الحرب توني بلير سلطة تقرير مصير غزة باسم إسرائيل. ويصف الخطة بأنها وثيقة استسلام تُجبر سكان القطاع على قبول "السلام أو الغرق"، مؤكّدًا أن أي هدنة أو اتفاق مع دولة مارست الإبادة لن يكون قابلًا للثقة.

يهاجم الكاتب الخطاب الغربي الذي يدعو إلى "نزع تطرف غزة"، مشيرًا إلى أن السؤال الحقيقي هو: من الذي يجب أن يُنزَع تطرفه؟ فالناس لا يُولَدون متطرفين، بل تُحوّلهم المآسي إلى ذلك. كيف لا يتطرف الإنسان حين يُقتلع من أرضه ويُسجن في مساحة ضيقة، ويُحاصَر في بحر وجو وبرّ، ويُمنع من الغذاء والعلاج والسفر، بينما العالم الغربي يزوّد سجّانه بالسلاح؟

يقول كوك إن من يحتاج إلى "نزع التطرف" هو إسرائيل والغرب ذاته. فاستطلاعات الرأي في إسرائيل تكشف أن غالبية اليهود الإسرائيليين تؤيد تدمير غزة، وأن نصفهم تقريبًا يدعم طرد الفلسطينيين من أراضيهم، بل إن نحو نصف المستطلَعين وافقوا على قتل كل سكان القطاع، بمن فيهم الأطفال. ويضيف أن ما يفعله الجيش الإسرائيلي ويُعرض علنًا على وسائل التواصل من تفاخر بالقتل والتجويع ليس شذوذًا، بل انعكاس دقيق لحالة المجتمع الإسرائيلي.

ويشير إلى أن هذه النزعة ليست وليدة الحرب الأخيرة، بل نتاج عقود من شيطنة الفلسطينيين ووصمهم بـ"الحيوانات" و"الصراصير" و"الأفاعي"، وهو ما مهد نفسيًا لتقبل فكرة الإبادة الجماعية. ويستشهد بقول الصحفية الإسرائيلية أورلي نوي إن المجتمع الإسرائيلي يعيش "المرحلة الأخيرة من النازية"، وإن جذور هذه الحالة تكمن في الأيديولوجيا الصهيونية نفسها التي يجب أن تنتهي لأنها غير قابلة للتطهير من العنف العنصري الذي أنشأها.

يؤكد كوك أن ما يحدث ليس انحرافًا مؤقتًا، بل عرضٌ لمرض غربي أعمق. فالدول التي أنشأت إسرائيل وسلّحتها ودافعت عنها هي التي تحتاج الآن إلى "نزع تطرفها". ألمانيا، التي خضعت بعد الحرب العالمية الثانية لعملية "اجتثاث النازية"، تكشف اليوم من خلال قمعها للاحتجاجات المؤيدة لغزة أن تلك العملية لم تكتمل قط. الغرب بأسره يحتاج إلى "نزع تطرف" أعمق، يعيد إليه الحد الأدنى من الإنسانية ويمنعه من تطبيع القتل الجماعي وبثه مباشرة على شاشات الهواتف.

يدعو الكاتب إلى إعادة بناء الوعي الغربي بحيث يصبح من المستحيل مجددًا التسامح مع الإبادة أو مع مجرميها، أو السماح بعودة المقاتلين الأجانب الذين شاركوا فيها إلى بلدانهم دون محاسبة. كما ينتقد ازدواجية القادة الغربيين الذين يستقبلون مسؤولي إسرائيل بالأحضان، رغم أن المحكمة الجنائية الدولية تتهمهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ويحذر كوك من أن التطبيع مع الجرائم في الخارج يفتح الباب أمام القمع في الداخل، حيث تُجرَّم المعارضة وتُعتبر الاحتجاجات ضد الإبادة "كراهية" أو "إرهابًا". ويختم مقاله بدعوة واضحة: إن الوقت حان لوقوف الشعوب معًا ضد هذا الانحدار الأخلاقي والسياسي، لأن الصمت الآن يعني التواطؤ، والتواطؤ يعني موت الضمير الإنساني الذي يميّز الإنسان عن الوحش.
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-genocide-two-years-west-deradicalised-never-happens-again